.

السبت، يوليو 22، 2006

اعترافات


هل أرى طفولتي؟
تلك الطفولة التي أصبح يفصلني عنها الآن أكثر من نصف قرن، لكن عينييّ الحسيرتين يمكنهما أن تدركانها، إذا لم تظهر عقبات كثيرة من شأنها أن تحجب النور. فالسنوات أشبه بالجبال الشاهقة التي تحول بيني وبينها، سنواتي الماضية وبضع ساعات قليلة من حياتي.نصحني الطبيب بأن لا ألحّ كثيراً في أن أسبر ذلك الماضي البعيد. وقال إنه يعتبر أن للأحداث التي عايشتها مؤخراً ذات القدر من الأهمية، وخاصة التخيلات والأحلام التي رأيتها في الليلة الماضية. لكني أحبّ أن أفعل الأشياء وفق ترتيبها. فما أن غادرت عيادة الطبيب (الذي سيسافر خارج تريستا لفترة من الزمن)، حتى هرعت واشتريت مجلة عن التحليل النفسي ورحت اقرأها، لعلي أبدأ من نقطة الصفر، ولكي أسهّل على الطبيب مهمته. لم تكن عصية على الفهم، لكنها مملة للغاية.بعد أن تناولت طعام غدائي، تمددت على كرسي وثير، وقد أمسكت بيدي قلم رصاص وورقة. كانت قد تلاشت جميع التجاعيد من جبهتي، وأنا أجلس هنا خالي البال، بعد أن طردت جميع الهموم من رأسي. وبدا أني أصبحت أرى أن أفكاري قد انفصلت عني. وأصبح بوسعي أن أراها تعلو وتنخفض، وهي في قمة نشاطها. أمسكت قلم الرصاص لأذكّرها أنه يجب أن يتمكن الفكر من توضيح نفسه بنفسه، وعلى الفور بدأ حاجبي يتغضن وينكمش، وأنا أفكر بالأحرف التي تتشكل منها كلّ كلمة. الحاضر يمور ويهيمن عليّ، ويتلاشى الماضي وكأنه شيء لم يكن.حاولت البارحة أن أسترخي بقدر ما بوسعي. وكانت النتيجة أني غططت في سبات عميق، ولم أشعر بشيء سوى براحة هائلة، وتملكني إحساس غريب بأني رأيت شيئاً مهماً وأنا أغط في النوم. لكني ما أن أفقت، حتى نسيت ما رأيته، وفقدته إلى الأبد.
أما اليوم، فلن يدع قلم الرصاص، الذي أمسكه بيدي، مجالاً لأن يغمض جفني. وبدأت أرى على نحو باهت بعض الصور الغريبة التي لا يبدو أن لها علاقة بماضيّ: قاطرة تنفث دخانها وتجرّ عربات لا حصر لها متجهة نحو منحدر شديد الوعورة. من يمكنه أن يعرف من أين أتت، أو إلى أين تتجه أو لماذا ظهرت لي الآن؟
وفيما كنت في حالة شبه يقظة، تذكّرت أني كنت قد قرأت في كتابي المدرسي أن المرء يستطيع أن يتذكر سنوات طفولته الأولى بهذه الطريقة، حتى وهو في المهد. وعلى الفور رأيت رضيعاً في القماط، لكن لماذا يتعين عليّ أن أفترض أن هذا الرضيع هو أنا؟
فهو لا يشبهني في شيء، بل على العكس، أظن أنه ربما كان ابن أخت زوجتي الذي أنجبته منذ أسابيع قليلة، والذي راحت تعرضه علينا باعتباره معجزة وذلك لصغر يديه، وضخامة عينيه. يا له من طفل مسكين.
هل أتذكّر طفولتي؟ بالفعل.
لماذا لا أستطيع أن أحذرك، وأنت لا تزال طفلاً رضيعاً، أنه من المهم أن لا تنسى شيئاً، لكي تحافظ على ذكائك وصحتك. وإني أتساءل، متى ستتعلم أنه يجب على المرء أن يتذكر كل حدث مرّ في حياته، حتى الأحداث التي قد يكون نسيها؟ وفي غضون ذلك، تواصل، أيها البريء المسكين، البحث عن جسدك الصغير سعياً وراء المتعة، ولن تجلب لك اكتشافاتك السعيدة في نهاية الأمر إلا المرض والمعاناة، التي يساهم فيها حتى الذين لا يتمنون لك أن تبتلي بها.
ما العمل؟ من المستحيل مراقبتك وأنت في المهد. قوى خفية تندفع في داخلك، أيها الطفل المسكين، عناصر غريبة تتجمع فيها. فكلّ دقيقة تمرّ تكشف لك شيئاً جديداً.إن احتمالات أن تصاب بالمرض تحيط بك من كلّ جانب، لأنه يستحيل أن تكون كلّ تلك اللحظات التي عشتها نقية وصافية، فضلاً عن أنك تمت إلى الناس بصلة القربى بواسطة الدم. أعرف. ربما كانت الدقائق التي تمرّ نقية، لكن من المؤكد فإن كلّ تلك القرون التي هيأت لمجيئك لم تكن كذلك بالتأكيد.ها هنا أنا، بعيداً تماماً عن الصور التي تسبق النوم.سأحاول غداً كرة أخرى.

* إيتالو سفيفو

الجمعة، يوليو 07، 2006

عبث

قال ,
إنهم هكذا ,
يرددون نفس الكلام الذي رددناه , يعيشون الأفكار التي عشناها
التي جمعت الكثيرين منا , والتي فرقت الكثيرين منا .
إنهم يعيشون نفس الأحلام القديمة التي عشنا نحن من أجلها
والتي خابت , ثم إنه ضحك , لم تخب تماما , لكنها شاخت ونحن أيضا شخنـا .

وأنت , أنت لا تريدهم أن يسلكوا نفس الطريق , نفس الخطأ
وفي كل مرة تريد أن تقول , تحاول , مع أن الوقت سوف يمضي
وستعرف أنت الآخر أن عليك ألا تقول شيئا , ذلك أنهم صاروا يروننا أفضل حالا
وأكثر ميلا إلى التخاذل والتسليم .
قال ,
إنهم هكذا ,
دائما .

ابراهيم أصلان