.

الثلاثاء، فبراير 20، 2007

: )

لا أعرف لمَ أقوم بما أقوم به. إن عرفت، لما شعرت ربما بالحاجة للقيام به. كل ما أستطيع قوله، وقلته بثقة مطلقة، أني شعرت بهذه الحاجة منذ بداية مراهقتي. أتحدث عن الكتابة، بشكل محدد، الكتابة بوصفها حاملاً لرواية القصص، قصص متخيلة لم تحدث في ما نطلق عليه عالم الواقع. إنها بالتأكيد طريقة غريبة لتمضية حياتك – تجلس وحيداً في غرفة وقلم في يدك، ساعة بعد ساعة، يوماً بعد يوم، سنة بعد سنة، تصارع من أجل وضع الكلمات على قصاصات من الورق بغرض منح الولادة لما هو غير موجود – إلا في رأسك. لماذا يا ترى يرغب أحد ما القيام بشي كهذا؟ الإجابة الوحيدة القادر على التلفظ بها: لأن عليك القيام بذلك، لأنه لا خيار أمامك.
هذه الحاجة للصنع، للخلق، للابتكار، باعث إنساني أصيل دون شك. لكن ما الغاية؟ ما الغرض الذي يسعى إليه الفن، تحديدا فن الخيال، بماذا سيخدم ما نعرفه بالعالم الحقيقي؟ ما من شيء يمكنني التفكير به باحساس عملي. الكتاب لا يضع طعاماً في معدة طفل جائع. الكتاب لم يمنع طلقة مجرم من دخول جسم ضحيته. الكتاب لم يمنع قنبلة من السقوط على المدنيين الأبرياء أثناء الحرب.
يفضل البعض الاعتقاد أن تبجيل الفن يجعلنا أفضل – أكثر عدالة، أكثر أخلاقا، أكثر حساسية، أكثر تفهما. هذا ربما حقيقي - في بعض النوادر، الحالات الخاصة. لكن دعونا ألا ننسى أن هتلر بدأ حياته كفنان وأن الديكتاتوريين والطغاة قراء روايات. القتلة في السجون قراء روايات. ومن بمقدوره أن يقول أنهم لا يحصلون على نفس المتعة التي يحصل عليها الجميع.بكلمات أخرى، الفن عديم النفع، على الأقل عند مقارنته، لنقل، مع عمل السمكري، أو الطبيب، أو مهندس الطرقات. لكن هل عدم نفعه شيء سيء هل إنعدام الهدف العملي يعني أن الكتب واللوحات والآلات الموسيقية هي ببساطة مضيعة للوقت؟
كثير من الناس يعتقدون ذلك. لكني أود أن أفترض جدلاً أن عدم نفع الفن هو ما يمنحه قيمة وأن صنع الفن ما يميزنا عن سائر الكائنات التي تعيش على كوكبنا، إنه ما يعرِّفنا جوهريا بوصفنا كائنات انسانية.أن تقوم بشيء بغرض المتعة المحضة ولجمال القيام به. فكروا بما يتطلبه ذلك من جهد، الساعات الطويلة من التمرين والانضباط الذي يتطلبه أن تكون راقصاً أو رساماً محترفا. كل المعاناة والاجتهاد، كل التضحيات لكي تنجز شيئا
هو بشكل مطلق وممجد . .عديم النفع.
الرواية، من ناحية أخرى، متواجدة إلى حد ما في مملكة مختلفة عن الفنون الأخرى. وسيلتها اللغة، واللغة شيء نتشاركه مع الآخرين، وهذا عادي بالنسبة لنا جميعاً. من اللحظة التي نتعلم فيها أن نتكلم، فإننا نطوّر جوعاً للقصص. أولئك الذي يتذكرون طفولتنا سيستعيدون كيف كنا نستمتع بحماس بقصص ما قبل النوم، عندما كان أحد الوالدين يجلس إلى طرف السرير يقرأ في إضاءة خافتة من كتاب القصص الخرافية.أولئك الذين أمسوا آباء وأمهات منا لا يجدون مشكلة في تحفيز انتباه أعين أطفالنا بحركات مرحة عندما يقرؤون لهم. لم هذه الرغبة المفرطة بالاستماع. الحكايا الخرافية غالباً ما تكون قاسية وعنيفة، تصور رؤوسا تقطع، أكلة لحوم البشر، تحولات متنافرة وسحر شرير. يظن المرء أن هذه المواد قد تكون مخيفة لطفل صغير، لكن ما تتيحه هذه القصص للطفل أن يجربه يتمثل بدقة بمجابهة خوفه الخاص وعذاباته الداخلية في محيط آمن ومحمي. هذا هو سحر القصص – إذ انها قد تأخذنا إلى أعماق الجحيم، إلا أنها في النهاية لا تؤذي.
نكبر في العمر، لكننا لا نتغير. نمسي أكثر تعقيدا، لكننا في العمق نواصل مشابهة أنفسنا اليافعة، وفي توق لسماع القصة التالية والتالية، والتالية. لسنوات، وفي كل بلد في العالم الغربي، نشرت مقالات ومقالات تندب حقيقة أن قلة قليلة من الناس تقرأ الكتب، وأننا دخلنا في ما أصبح يطلق عليه البعض "عصر ما بعد الأدب". قد يكون ذلك صحيحا، لكنه في الوقت نفسه، لا يقلل من الشهوة الكونية للقصص.ثم إن الرواية ليست المصدر الوحيد. الأفلام والتلفزيون وحتى الكتب المصورة "الكوميك" تشارك في حصة ضخمة في السرد الخيالي ومازال الناس يلتهمونها بشغف عظيم. ذلك أن البشر بحاجة للقصص. إنهم بحاجة إليها تقريبا كما حاجتهم للطعام ومهما كانت الطريقة التي تقدم فيها – سواء كانت على صفحات مطبوعة أو على شاشة تلفزيون – فإنه من المستحيل تخيل الحياة من دونها.مازلت أشعر بالتفاؤل حين يتعلق الأمر بحالة الرواية ومستقبلها. الأرقام لا تحصي أين يكون الكتاب موضع اهتمام، لأنه لا وجود إلا لقارىء واحد، في كل مرة هناك قارىء واحد فقط. وهذا ما يشرح القوة الخاصة بالرواية ولماذا، برأي، لن تموت كشكل. كل رواية تعاون متساو بين الكاتب والقارىء وإنها المكان الوحيد في العالم الذي يمكن لغريبين أن يلتقيا فيه في حميمة تامة.أمضيت حياتي في التحاور مع أناس لم أرهم أبداً، مع أناس لن أعرفهم وأتمنى أن أواصل ذلك حتى اليوم الذي أتوقف فيه عن
التنفس.إنه العمل الوحيد الذي أردته
بول أوستر

الأربعاء، فبراير 07، 2007

من يعرف ؟




حين تشرق الشمس فوق المدينة يتثاءت عشرة آلاف شخص و يتناولون الخبز المحمص و القهوة . يملأ عشرة آلاف شخص أورقة شارع كرام المقنطرة أو يذهبون إلى العمل في شارع شبايشا أو يأخذون أولادهم إلى الحديقة . يمتلك كل منهم ذكريات : أب لم يستطع أن يحب ولده , آخر يربح دائماً , عاشق بقبلة لذيذة , لحظة غش في الإمتحان المدرسي , الهدوء الناتج عن سقوط ثلج جديد , نشر قصيدة , ان هذه الذكريات هي كقمح في الريح , أحلام هاربة , أشكال في غيوم , و الأحداث التي حصلت مرة تفقد واقعيتها ,تتبدل في لمحة , في عاصفة , في ليل . و مع مرور الزمن , لم يحدث الماضي أبداً , لكن من يستطيع أن يعرف ؟ من يستطيع أن يعرف أن الماضي ليس حقيقياً كهذه اللحظة حين تتدفق الشمس فوق جبال الألب البيرينيةو يغني البقالون و هم يرفعون ظلات حوانيتهم و يبدأ عامل المحجر تحميل شاحنته .
الن لايتمان