.

الجمعة، ديسمبر 31، 2010

من اللائق أن نقول شيئا في وداع العام .

سمعت في طفولتي ذات مرة، أن الزجاج الساخن ينكسر، إذا نُثر عليه ماء بارد. في مساء ذلك اليوم، بعدما غادرت أمي المطبخ، اختبرت صحة هذه المقولة على الفور. نثرت بعض الماء على زجاجة المصباح. الزجاجة انكسرت، وأنا صعقت، أما أمي فدخلت. هجمت عليّ وهي متفاجئة وفي الوقت نفسه غاضبة - أنت، أنت، لماذا كسرت زجاجة المصباح؟ استمعت إلى التوبيخ بعينين مطرقتين وتحملت الصفعات، التي انهمرت عليّ في آن واحد، في تحدّ متعاظم. ويبدو أن صمتي العنيد هو ما أثار أمي. لماذا كسرت زجاجة المصباح؟ بماذا كان من الممكن أن أجيب؟ بدت الإجابة في الحقيقة كما لو كانت أكبر الأكاذيب: أنا لم أكسر زجاجة المصباح! هي انكسرت، "لأن الزجاج الساخن ينكسر، إذا نُثر عليه ماء بارد". صحيح، أنا كنت من نثر عليه الماء، لكن ليس بقصد كسره، بل كي أرى، هل ما سمعت وكان مثيراً بالنسبة إليّ صحيح أم لا، إلى درجة أني قررت اختبار ذلك. اعتبرت العقاب جائراً جداً. لكن لو قلت مدافعاً، نثرت الماء على الزجاجة لأني سمعت أنها تنكسر، لكنت عندئذ قد أثرت في دواخل أمي الشعور بأن ما فعلته مقلب مقصود وشرّ كبير. هكذا إذاً، كنت تعرف ومع ذلك فعلته؟ نعم كنت أعرف، لكني كنت أعرف كذلك أنهم يخدعون الأطفال على الدوام، بقصص اللقلق تارة، وطوراً باللذائذ على الغداء.
هذه هي حالي أمام السؤال، لماذا أكتب الشعر. الجواب الطبيعي لن يرضي الذي ينتظر ردّي. أصبحت شاعراً، لأني سمعت بوجود الشعراء، ولأني أردت أن أفعل أنا أيضاً كل ما يفعله البالغون المخيفون العصاة على الفهم. أردت أن أتلصص على سر طمأنينتهم الأخاذ. خفت من الخيول، لكني لاطفت أكفالها ونواصيها، كنت شجاعاً حتى لا يروني خائفاً. غير أني لا أستطيع خداع نفسي. عشّش الخوف فيّ، وكل ما توصلت إليه هو جعله يتخفى عن ناظري، مثلما تتقافز الظلال في الجانب الآخر خلف الأشياء خوفاً من الذي يريد أن يفاجئها بمصباحٍ في هذا الجانب. أردت أن أصبح حوذياً، فالحوذي لا يعرف الخوف. لكني فكرت كذلك أن أصبح غواصاً أو سائق قاطرة. لهذا سخروا مني. لا يهم، قالوا، ستصبح مصلح أقفالٍ بارعاً، فالقفل كالقاطرة، كلاهما بنيان مركّب. غير أني فككت قفلاً في السر ورأيت بخيبة أنه تركيب بالفعل، وأنه إلى ذلك تركيب بارع وبسيط، لكنه لا يحوي شيئاً مما يمكنني ربطه بـ"البالغين" في ذلك الوقت. لم يفهموا أن القاطرة شيء آخر، هائلة وتنفث البخار وتدمدم وتصفر، كأنها توشك على الإنفجار عندما تتوقف. وعلى متن هذا الوحش المرعب هناك يقف سائق القاطرة ينظر بمنتهى الهدوء إلى الأسفل نحو الطفل الصغير الذي يُمنع عليه الإقتراب حتى من قضبان السكة. لم يفهموا، أني أردت أن أنتصر على الخوف بالذات، لا أكثر.


أتيلا يوجف