.

الأحد، أكتوبر 09، 2011

في تحية الصوت القادم من بعيد .


ثمة أشياء علينا أن نثق بها

لكي نتمكن من أن نعيش حياتنا اليومية
دون أن نغوص في الأرض !

أن نثق بكتل الثلج التي تتشبث بسفح الجبل
فوق القرية .
أن نثق بوعود الصمت وابتسامة التفاهم
 أن نثق بأن البرقيات
المشؤومة لا تخصنا ،
وأن ضربة الفأس من الداخل
لن تأتي .
أن نثق بمحاور العجلات التي تحملنا على الطريق
...


لكن في الواقع لا شيء من هذا كله يستحق ثقتنا .

تقول الخماسيات الوترية أن بإمكاننا أن نثق بأشياء أخرى .
بماذا ؟
بأشياء أخرى ،
ترافقنا في طريقنا قليلاً إلى هناك .

كما يحدث عندما ينطفئ ضوء الدرج
 وتتبع اليد – بثقة –
الدرابزين الأعمى الذي يعرف وجهته في الظلام .

توماس ترانسترومر

الخميس، يونيو 30، 2011

ما يدور في ذهن شخص ما .


سررت حين وبخني والداي بسبب حذائي الموحل. لقد حول هذا الأمر انتباهه بتجنب المشكلة الحقيقة ووضعي في حالة تلقي التأنيب الذي كنت أحوله سرا إلى الذنب الآخر الأكثر خطورة وجدية.  ومن هذة الزاوية سيطر علي إحساس جديد وغريب كان يخزني بشكل ممتع : وهو انني متفوق على والدي !
وللحظة أحسست بشيء من القرف لجهله, فتوبيخه لي على حذائي الموحل كان أمرا يدعوا إلى الرثاء. ( آه لو كنت تعرف) عبرت الفكرة في ذهني مثل مجرم يستجوب من أجل رغيف خبز مسروق بينما هو قد أرتكب جريمة قتل . كان شعورا عدائيا كريها . لكنه شعور قوي وجذاب يشدني نحو سري وذنبي .
...
كانت هذة اللحظة أهم وأشد رسوخاُ من كل مافي التجربة , إنها أول صدع في صورة أبي الشاملة . وأول تشقق في الأعمدة التي تقوم عليها طفولتي , الأعمدة التي يجب على كل إنسان أن يهدمها قبل أن يصير نفسه.
 إن الخط الداخلي الأساسي لمصيرنا يشتمل على تجارب شبيهة وغير مرئية. وهذه التصدعات والشقوق تتجمع وتشفى ثم تنسي ولكن في الأعماق الخفية تظل حية وتظل تنزف.

هرمان هيسه

الاثنين، مايو 23، 2011

ابتكار طرق خفية للمواصلة .

حين أتنقل بسيارتي في وسط المدينة، أحب أن أتوقف لأخلي السبيل للراجلين، بعض الأحيان يبتسمون لي. وكل هذه الابتسامات الموجهة للرياح، أحتفظ بها أنا، مع مرور الوقت، بعناية كبيرة كما لو كانت ملكا لي.
 
Francis Dannemark  

السبت، أبريل 30، 2011

في وداع ابريل

" الكتابة ليست أقل من رمي الأشياء , فهي تشمل التصريف , تشمل الدفع بعيدا عن نفسي كومة من الورق المليء بالكتابة ,
لم يعد أي من الاثنين ملكا لي لكنه طُرد .. رُمي , كل ماتبقي لي وما أمتلكه هو صفحة من الورق مهمشة بملاحظات متناثرة
كتبت في السنوات الاخيرة تحت عنوان " الحاوية المناسبة " ملخصا عليها الافكار التي تتجمع في ذهني والتي خططت لكتابتها بالتفصيل :
فكرة تنقية الخبث , الرمي كامل الخصائص, جحيم عالم لا يرمي فيه شيء , المرء هو ما لا يرميه , هوية الذات , القمامة كسيرة ذاتية , القناعة في الاستهلاك , فكرة المادة , عن البداية ثانية , عالم الزراعة , الطبخ والكتابة , سيرة حياة النفايات , التحويل للحفظ .
وغيرها من الملاحظات التي لا أستطيع بعد التفكير بربطها وتنظيمها وكتابتها
فكرة الذاكرة , طرد الذاكرة , فقدان الذاكرة , صيانة وفقدان ما قد فقد , مالم يمتلكه المرء ,
مالذي امتلكه المرء متأخرا جدا , ماذا نحمل معنا من الماضي , ما الذي ليس لنا ,
العيش دون ماض (الحيوان) : ربما يحمل الانسان أكثر ,  العيش من أجل العمل الذي يتجه المرء ,
المرء يفقد نفسه  هناك عمل لا فائدة منه .
أنا لم أعد هناك .

إيتالو كالفينو .

الخميس، مارس 31، 2011

إني أسمعك يا فرجينيا .





أفكر بفرجينيا بشكل متقطع هذه الأيام لذا تناولت سيرتها وقررت أن أفتح صفحاتها بشكل عشوائي لأكتشف ما الذي تحاول أن تخبرني به :

- " أحسب أن الناس يفخرون بستائرهم وثمة منافسة عظيمة بين الجيران . أحد البيوت له ستائر من الحرير الأصفر محاطة بأشرطة الدانتيل . لابد أن الغرف في الداخل مظلمة , أظنها تعبق برائحة اللحم والبشر . وأعتقد أن إسدال الستائر هو علامة الوجاهة."

- بعد يومين سجلت فرجينيا في يومياتها أنها وجانيت كيس قد بحثتا أمر روايتها " التي سيؤكد الجميع - كما أتنبأ - بأنها أروع ما قرؤوا على الإطلاق ثم يذمونها فيما بينهم , وهي في الواقع تستحق الذم ".
- كان هذا على ما أظن عاملا من عوامل الزوبعة التي كانت تتجمع الآن . فانيسا قد حصلت على ما أرادت : حريتها . إن بوسعها الآن أن ترسم كما تشاء , أن ترى من الناس من تشاء , أن تعيش حياتها كما تشاء , ولا شك أنها ستتزوج كما تشاء . كانت سعادتها واضحة كل الوضوح وسرورها لا شائبة فيه بعد أن تخلصت من رعاية والدها ومن طبعه الحاد . أما فرجينيا , التي كانت متوترة عاطفيًا ومتهيجة عصبيًا من جراء الشهور الطويلة لمرض السير لزلي الأخير وكانت لما تزل تشعر بالذنب وغير قادرة على السلوى , فقد وجدت هذه السعادة أكثر مما تستطيع أن تتحمله .

- قد اعتقدت فرجينيا أن مهمتها هي أن تلهب مخيلة تلاميذها لكي يروا " اللحم والدم في ظلال الأشياء ".

- " إن دفاعي الوحيد هو أنني أكتب الأشياء كما أراها وأنا أدرك أن هذه وجهة نظر ضيقة جدا ولا حياة فيها . لا أعرف كيف أوضح ذلك بعوامل خارجية مثل التعليم وطريقه الحياة ..الخ لذا ربما سأقدم شيئا أفضل مع تقدم العمر . كانت George Eliot تناهز الأربعين حيت كتبت أولى رواياتها , لكن شعوري الحالي هو أن هذا العالم الغامض , الشبيه بالحلم , الخالي من الحب أو القلب أو العاطفة أو الجنس هو العالم الذي أعبأ به حقًا وأجده ممتعُا . فمع أن هذه الأشياء أحلام بنظرك , وأنا لا أستطيع التعبير عنها بكفاية أبدا , فهي بنظري حقيقية تماما . لكن أرجو ألا تظني أني راضية أو تظني أن رأيي يتخذ شكلا كليا بأيه صورة . إنما يبدو لي أن من الأفضل أن أكتب عن أشياء أشعر بها فعلا من أن أعبث بأشياء أنا بصراحة لا أفهم فيها إطلاقا . هذا نوع من الإسفاف – في الأدب الذي يبدو لي شنيعا ولا معذرة فيه : أعني الناس الذين يتمرغون في عواطف لا يفهمونها ."

- كان الآخرون يقومون بسفرة ما إلى بلدة مجاورة فلم يتركوا ما يؤكل لكوكس وفرجينيا عند وصولهما سوى قطعة معجنات عفنة , تلك هي منغصات الحياة البسيطة .

- شعرت فرجينيا في وقت ما أن رأي فيوليت الحسن بها هو شيء جوهري لسعادتها لكن الحال لم تعد على هذا المنوال .

-  قضاء أيام متعددة بصحبة الآخرين أو حضور حفلة ما أو الذهاب إلى لندن من شأنها أن تعيد الصداع وليالي الأرق مما لا يمكن شفاؤه إلا بفترات طويلة من الاستراحة والعزلة.

- كانت المحادثة هي فنه , وإنها لمأساة أن اختار مثل هذه الوسيلة المتلاشية في التعبير .

- " مضيت على دراجتي وليس أمامي إلا وقت قصير وأنا أسير ضد ريح عاتية ؛ شعرت مرة أخرى بالرضا لأني أضاهي أشياء قوية ذات بأس كالريح والظلام ."

-  " ماذا يعني الأصدقاء للمرء إذا كان لا يراهم إلا بضع مرات في السنة ؟ أنا على اتصال متقطع بفروستر وهو تقطع مزمن . كلنا نشعر بالحياة ولا نفعل شيئا لا نريده إلا نادرا ."

- دونت فرجينيا مرة أخرى يومية باسم " اليوم النموذجي " لعلها كانت تعني بهذه التسمية الهموم والحماقات التي تؤلف حياة المرء ولا تعني اليوم الطبيعي المعتاد , إنها تشكو في مقاطع أخرى من عدم توفر الوقت لكتابة اليوميات لوجود عدد كبير جدا من " الأيام النموذجية ".

- " لا أستطيع أن أتصور أنني سأرى يومي هذا في السنة القادمة ."



Virginia Woolf 25 January 1882 – 28 March 1941*

* كان من المريب أن أعرف للتو أن انتحارها كان في نهاية مارس , ومن الغريب أن تكون نافذتي – بشكل عارض - بلا ستائر ,
ومن المربك أن يوم ميلادي غدا.


السبت، فبراير 12، 2011

للشعر نبوءته , وللحلم أن يتحقق .




 [ يحكي ]، يومًا،
أن ثار الناس
، على الملك،
في مدينة قديمة.
كان ملكًا ظالمًا.
"ديكتاتور"
كما نقول نحن
، في لغتنا،
في هذه الأيام.


هجمت جموع الشعب
في لحظة واحدة:


فلاحون بظهور محنية
(نفعت في حمل الأشخاص
الذين تسلقوا الأسوار)

و عمال مناجم
(كانوا الأقدر
على تحمل غبار الزحف)

و متشردون
(حين قُتلوا، لم يكن لهم أهل
يعكرون فرحة النصر
ببكائهم)

 
و عاطلون عن العمل
(كأنهم كانوا يدخرون قوّتهم
طول السنين الماضية )

اللصوص
ثاروا بشرف
رغم أن أيديهم
كان يمكن أن تمتد بسهولة
لجيوب الثوار
في الزحام.

و المجانين
كسروا أبواب البيمارستانات
و تعالت حناجرهم
بهتافات هيستيرية
إذ أصبح جنونهم
، لأول مرة،
محل احترام حقيقي.



فقط
مرضى الجذام
انتهزوا الفرصة
و قبّلوا الناس
بشفاه متآكلة
لكن
لا أحد دفعهم بعيدًا
و لا بصق قبلاتهم.

متسولة، برجل مقطوعة،
مكومة جنب حائط
صرخت فيهم و هي تغالب الدموع:
"إيه يا أولادي!
ألست ابنة هذا البلد؟
تخافون أن أوسخكم؟".

فتسابق ثلاثة شبان
(أي روح)!
لحملها فوق الأكتاف.
ربطتْ خرقة
، لئلا تكون عالة،
في عكازها
شاء الله أن تكون الراية الوحيدة
التي فشل في إسقاطها
رماة السهام!

مرت الثورة على حديقة
فجرفت معها الأشجار.
غير أن الأشجار
، و هي تسير معهم،
كانت تغني
، بعصافيرها،
أغنيات لأجل الحرية.



كانت ثورة مثل وحش
عانى سنوات طويلة
من الجوع.


أكلت
، في طريقها،
كلابًا و قططًا.


أكلت أطفالاً
حاولوا تقليد آبائهم
بسيوف خشبية.


أكلت ناسًا منها
حين اختل توازنهم
و سقطوا تحت الأقدام.


العجائز الطاعنون في السن
هم الذين امتنعوا عن المشاركة
في ذلك اليوم.
كانوا يبتسمون و يقولون:
"الملك!
نحن أيضًا كنا شنقناه
على شجرة ضخمة
في حديقة قصره".

 
كان المشهد هو نفسه.
كأن الزمن لم يمر.
حتى أن عجائز منهم
اختلط عليهم الأمر:
هل هم الذين يتفرجون في الشبابيك
بأيدٍ مرتعشة
أم الذين يصرعون الحراس
، هناك،
في مقدمة الصفوف؟


عماد أبو صالح
 قبور واسعة - 1999



الجمعة، يناير 14، 2011

ما أخشاه ليس الألم بل الخيبة .


لا أتذكر الفترينات , ولا أنا هنا من أجل الحديث عنها , فهناك مسائل أكثر جدية تشغلني في هذه اللحظة .

بجانب أحد أبواب مخازن جرنديللا كان هناك رجل يبيع البالونات , وربما لأنني طلبت منه ( وهو الأمر الذي ارتاب فيه كثيرا , لأن من ينتظر أن يعطوه يتجرأ ويطلب ) أو ربما لاني أمي أردات وهو شيء غير مألوف أن تجعلني اجتماعيا , صارت واحدة من هذه البالونات في يدي , لا أتذكر أكانت خضراء أم حمراء , صفراء أم زرقاء أو كانت بيضاء بكل بساطة , فما حدث بعد ذلك مسح من ذاكرتي اللون المفترض أن يظل ملتصقا بعيني للأبد , حيث إنها كانت أول بالونة امتلكها في عمري كله البالغ ستة أو سبعة أعوام .

كنا في طريقنا إلى الروسيو , عائدين إلى البيت , كنت فخورا كما لو كنت أسوق العالم بأسره وأربطه بخيط وأطيره في الهواء , ثم سمعت فجأة شخصا يضحك من ورائي نظرت ورأيت . كانت البالونة قد انفشت وكنت أجرها على الأرض دون أن أنتبه وقد أصبحت شيئا قذرا , منكمشا , لا شكل له .


وكان الرجلان القادمان ورائي يشيران إليّ بسبابتهما , أما أنا فقد كنت هذه المرة نموذجا للارجواز البشري . لم أستطع حتى البكاء , أطلقت الخيط , أمسكت بذراع أمي كما لو كانت طوق النجاة وواصلت سيري .
 هذا الشيء القذر , المنكمش , عديم الشكل , كان في الحقيقة الحياة الدنيا .



                                                                       جوزيه ساراماغو