[ يحكي ]، يومًا،
أن ثار الناس
، على الملك،
في مدينة قديمة.
كان ملكًا ظالمًا.
"ديكتاتور"
كما نقول نحن
، في لغتنا،
في هذه الأيام.
هجمت جموع الشعب
في لحظة واحدة:
فلاحون بظهور محنية
(نفعت في حمل الأشخاص
الذين تسلقوا الأسوار)
و عمال مناجم
(كانوا الأقدر
على تحمل غبار الزحف)
و متشردون
(حين قُتلوا، لم يكن لهم أهل
يعكرون فرحة النصر
ببكائهم)
و عاطلون عن العمل
(كأنهم كانوا يدخرون قوّتهم
طول السنين الماضية )
اللصوص
ثاروا بشرف
رغم أن أيديهم
كان يمكن أن تمتد بسهولة
لجيوب الثوار
في الزحام.
و المجانين
كسروا أبواب البيمارستانات
و تعالت حناجرهم
بهتافات هيستيرية
إذ أصبح جنونهم
، لأول مرة،
محل احترام حقيقي.
فقط
مرضى الجذام
انتهزوا الفرصة
و قبّلوا الناس
بشفاه متآكلة
لكن
لا أحد دفعهم بعيدًا
و لا بصق قبلاتهم.
متسولة، برجل مقطوعة،
مكومة جنب حائط
صرخت فيهم و هي تغالب الدموع:
"إيه يا أولادي!
ألست ابنة هذا البلد؟
تخافون أن أوسخكم؟".
فتسابق ثلاثة شبان
(أي روح)!
لحملها فوق الأكتاف.
ربطتْ خرقة
، لئلا تكون عالة،
في عكازها
شاء الله أن تكون الراية الوحيدة
التي فشل في إسقاطها
رماة السهام!
مرت الثورة على حديقة
فجرفت معها الأشجار.
غير أن الأشجار
، و هي تسير معهم،
كانت تغني
، بعصافيرها،
أغنيات لأجل الحرية.
كانت ثورة مثل وحش
عانى سنوات طويلة
من الجوع.
أكلت
، في طريقها،
كلابًا و قططًا.
أكلت أطفالاً
حاولوا تقليد آبائهم
بسيوف خشبية.
أكلت ناسًا منها
حين اختل توازنهم
و سقطوا تحت الأقدام.
العجائز الطاعنون في السن
هم الذين امتنعوا عن المشاركة
في ذلك اليوم.
كانوا يبتسمون و يقولون:
"الملك!
نحن أيضًا كنا شنقناه
على شجرة ضخمة
في حديقة قصره".
كان المشهد هو نفسه.
كأن الزمن لم يمر.
حتى أن عجائز منهم
اختلط عليهم الأمر:
هل هم الذين يتفرجون في الشبابيك
بأيدٍ مرتعشة
أم الذين يصرعون الحراس
، هناك،
في مقدمة الصفوف؟
عماد أبو صالح
قبور واسعة - 1999