لا أتذكر الفترينات , ولا أنا هنا من أجل الحديث عنها , فهناك مسائل أكثر جدية تشغلني في هذه اللحظة .
بجانب أحد أبواب مخازن جرنديللا كان هناك رجل يبيع البالونات , وربما لأنني طلبت منه ( وهو الأمر الذي ارتاب فيه كثيرا , لأن من ينتظر أن يعطوه يتجرأ ويطلب ) أو ربما لاني أمي أردات وهو شيء غير مألوف أن تجعلني اجتماعيا , صارت واحدة من هذه البالونات في يدي , لا أتذكر أكانت خضراء أم حمراء , صفراء أم زرقاء أو كانت بيضاء بكل بساطة , فما حدث بعد ذلك مسح من ذاكرتي اللون المفترض أن يظل ملتصقا بعيني للأبد , حيث إنها كانت أول بالونة امتلكها في عمري كله البالغ ستة أو سبعة أعوام .
كنا في طريقنا إلى الروسيو , عائدين إلى البيت , كنت فخورا كما لو كنت أسوق العالم بأسره وأربطه بخيط وأطيره في الهواء , ثم سمعت فجأة شخصا يضحك من ورائي نظرت ورأيت . كانت البالونة قد انفشت وكنت أجرها على الأرض دون أن أنتبه وقد أصبحت شيئا قذرا , منكمشا , لا شكل له .
وكان الرجلان القادمان ورائي يشيران إليّ بسبابتهما , أما أنا فقد كنت هذه المرة نموذجا للارجواز البشري . لم أستطع حتى البكاء , أطلقت الخيط , أمسكت بذراع أمي كما لو كانت طوق النجاة وواصلت سيري .
هذا الشيء القذر , المنكمش , عديم الشكل , كان في الحقيقة الحياة الدنيا .
جوزيه ساراماغو