.

الثلاثاء، مارس 28، 2006

وما زلت أنتظر رسالتي

رسالة إلى من لا رسائل لهم

هل محض جنون أن يراسل المرء أناساً لا يعرفهم ؟ أنا أفعل ذلك الآن, لا لشيء إلا لأنني أشبههم, فمنذ زمن بعيد وأنا أتتبع خطواتهم المحفورة في الطريق، و أحصي آلاف الأميال التي يقطعونها كل مساء؛ ليعودوا إلى البيوت التي أنهكها الغياب . لكنَّ أشباحهم وحدها هي التي تعود, لا لتلقى السلام ولكن لتسأل عن رسالة تُشعرهم أنهم على قيد الحياة.

هكذا نحن حين ننتظر رسالة, لا نبرح الأماكن ولا نغلق الأبواب, هكذا ظل والداي عشرين عامًا ينتظران ضيفًا ليس معلومًا وقت مجيئه ولا هيئة الوصول. سنوات طويلة يشعلان السراج والموقد والبخور، ويتركان جزءًا من طعامهما ؛ ومقعدًا شاغرًا من أجله، ويهرعان إلى الباب كلما رن خطو عابر غريب، وحين أصابهما الصمم، جلسا على ناصية الطريق قائلين "لقد أضعنا كل الضيوف بجلوسنا في البيت".

ليس مهمًا أن يأتي الضيوف, ولا أن تُستلم الرسائل, فثمة ضيوف لا نعرفهم, وثمة رسائل لا ترى، فلم لا نذهب إلى من نحبهم ؛ فنجالسهم ونحادثهم ، ولا ننتظر رسولاً يحمل بضعة أوراق منهم. فما الذي يمكن أن تقوله الأوراق أكثر من أرواحهم, تلك التي تدب بيننا، فى تذكاراتهم، في مواقفهم التي تدفقت كأنهار جارية بيننا زمنًا طويلاً.. كم تخاصمنا فيه، كم تعانقنا، وكم كنا ودودين معًا!.

أنا الآن أعد رسالةً إلى أناس لا أعرفهم، فليس هناك ما يجمع بيننا سوى أنني كلما جلست فى الأماكن التي جلسوا فيها أرى أعمارهم التي تركوها ، أرى ترابهم ، وأشجارهم، وقطع الأثاث التي نحلتها مقاعدهم، أراهم يقولون : اكتب لنا.

لى أناس لديكم كنت أتوقع أن يركبوا الريح من أجلى ويجيئوا، كنت أتشمم روائحهم حين يعبرون من على رأسي فتصطك أقدامهم ببلاط الغرفة، وحين يتداولون حول أى الهدايا يتركونها لأطفالي الصغار وأمهم المريضة بالنسيان.. لكننى لم أرهم؛ لأنهم لا ينتظرون المدفأة ولا شطائر الخبز، لا ينتظرون سوى رسالةٍ لا نعرف كيف نكتبها.









قولوا لهم إنني ضجرت، وما عدت أحتمل الحياة وحدى، فهل يمكن أن يغافلوا الحراس ويوقفوا القطار قليلاً؛ كى أضع ساقى وأركض معهم ، قولوا أيضًا: لى ابنة لديهم تجيد الرقص، وحفيد يجيد السؤال، ودبٌ يعشق الغناء أكثر منى.. فهل يمكن أن يحملوا رسالة من أجلى ؟!

* صبحي موسى