.

الاثنين، سبتمبر 24، 2007

الحجّـار

يؤنسني الخروج في ليالي الصيف لمراقبة الحجار وهي تنمو. أظنّ أنها تنمو هنا في الصحراء، حيث الطقس الحارّ والجافّ، على نحو أفضل منه في أي مكان آخر. أو لعلّ الصغار من الحجار فقط هم الأكثر نشاطاً هنا، فهم ينزعون الى التقلقل بدرجة تفوق ما قد يعتبره كبارهم في السنّ مؤاتياً لهم. كذلك فإن لدى معظمهم رغبة سريّة، كانت رغبة آبائهم قبلهم، لكنها غابت عن ذاكرتهم منذ عهود سحيقة. ولأنّ هذه الرغبة تتصل بالماء، لا يُؤتى على ذكرها بتاتاً. فالمسنّون من الحجار يستنكرون كل ما له علاقة بالماء، ويعتبرون «أنّ الماء ذبابة لا تقيم البتة في مكان واحد المدة الكافية لتعلّم أيّ شيء كان». لكنّ الحجار الصغار يحاولون ببطء، ومن دون أن يسترعوا انتباه كبارهم، زعزعة أنفسهم إلى وضع غير مستقر، على أمل أنّ سيلاً مائياً كبيراً وعظيماً، أثناء عاصفة صيف، قد يستطيع جرفهم رغماً عن إرادتهم - كما هو مفترض - ودفعهم الى الأمام، فوق منحدر، أو إلى أسفل ساقية صغيرة. وعلى رغم ما يتضمنه هذا الفعل من مخاطرة، فإنهم يرغبون في الترحال ورؤية أماكن أخرى من العالم، ومن ثم الاستقرار في مكانٍ جديد ناءٍ عن موطنهم الأصل، حيث يمكنهم إقامة سلالاتهم الحاكمة بعيداً من هيمنة الآباء. ومع أن الروابط العائلية بين الحجار وثيقة جداً، الكثيرون من الصغار، الأكثر جرأة، نجحوا في مسعاهم وحملوا ندوباً تثبت لأبنائهم في ما بعد أنهم ذات مرة خاضوا غمار رحلة، شَذر مَذر، وعبر مياه مرتفعة، وقطعوا - ربما خمسة عشر قدماً - مسافة لا تصدّق. ولكن مع تقدمهم في السنّ، فإنهم يحجمون عن التباهي بمغامرات سريّة كهذه. أمرٌ صحيحٌ أنّ الكبار من الحجار يغدون جد محافظين، ويعتبرون كل التحركات، إما خطرة أو محض آثمة. وغالباً ما يسمنون. السُمنة حقيقةً علامة فارقة تميّزهم.وفي ليالي الصيف وبعد أن يخلد صغارهم إلى النوم يتحوّل الحجار الكبار إلى موضوع جدّي ومهيب: القمر. وهو ما يُحكى عنه دائماً بالوشوشة. «أَترون كيف يشعّ وينطلق برشاقة عبر السماء، مغيّراً شكله على الدوام»، يقول أحدهم. ثم آخر «انظروا كيف يجذب نفسه صوبنا بشدّة ويستحثّنا كي نتبعه». ثم ثالث يهمس «هو حجر أصابه الجنون».
[ ريتشارد شيلتون ]