.

السبت، ديسمبر 03، 2005

حوار**


.

في كتابكَ الصادر للتو في عنوان "الوعي"، يقرر غالبية الناخبين في أحد البلدان التصويت بورقة بيضاء احتجاجا على قادتهم المجرّدين من أي قيم أو مبادىء. لا تستطيع أن تتخيّل كم أن هذا الموضوع يضرب على وتر حسّاس في بلادنا، لا بل كأنّه مفصّل على قياس وضعنا الراهن بالذات، فما رأيك أن نفتتح به؟
- بداية دعيني أؤكّد لكِ أنّ هذه المسألة مفصّلة على قياس كل البلدان التي تدّعي الديموقراطية في ايامنا الحاضرة. "الوعي" عمل تخييلي وهجائي ودرامي في الوقت نفسه، يتناول موضوع تدهور الديموقراطية في ممارسات الأنظمة التي يديرها مسؤولون فاسدون: هل تستطيعين أن تدليني على بلدٍ واحد يشذّ عن هذا الشواذ؟ يقال لنا باستمرار: الديموقراطية هي أهون الشرور، لكن "أهون الشرور" ليس بالحلّ المرضي ولا الكافي، وتكرار تلك اللازمة مرادف لعملية غسيل للأدمغة، إذ انّه يمنع الناس من البحث عن بديل أفضل. الديموقراطية ليست نقطة وصول بل نقطة انطلاق، وبهذا الكتاب أردتُ أن ألفت السلطات السياسية الى المأزق الذي وقعنا فيه: لقد مضت أعوام كثيرة على ولادة الديموقراطية من دون أن يتغيّر فيها شيء الى الأفضل، من دون ان يتوقف التلاعب الفاضح، المباشر أو غير المباشر، بالرأي العام، ومن دون أن يشفى السياسيون من مرض الفساد والجشع وإخفاء المعلومات والخضوع الذليل للسلطة الاقتصادية.

أنت إذا من خلال الدعوة الى "الوعي"، تدعو الى الثورة؟
- لا، أنا لا أريد تغيير العالم ولا قلب الأنظمة. أريد أن اقول حقيقة الأمور فحسب، أن أطرح السؤال، أن أشير بإصبعي الى المشكلة. لقد تحولت الديموقراطية الى كاريكاتور خلال الأعوام الأخيرة، الى مهزلة، الى فقاعة صابون. نشعر بأننا احرار لأن هناك برلمانا وحكومة ومجموعة من الخيارات الحزبية المتوافرة، لكننا لا ننتبه الى أن تغيير شكل الحكم في ذاته أمر مستحيل. عموما، أظنّ ان الجميع بات يعلم أن هذه الصيغة فاشلة. لذلك اقترح الآتي: إذا لم نكن راضين عن الوضع، لنصوّت بورقة بيضاء بدل أن نمتنع عن التصويت. فخلال دورة الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة، صوّتت نسبة 39 في المئة من الشعب فحسب، إلا ان ذلك لم يحل دون سير النظام كما لو أن شيئا لم يحدث.
هذا لأنّ "لا" الإمتناع مختلفة عن "لا" الورقة البيضاء.
- جدا. "لا" الإمتناع سلبية، جامدة، كسولة، رخوة. إنّ الـ"لا" في رأيي يجب أن تُسمع، أن تقال بصوت عال، أن تكون هجومية وصاخبة. "لا" الامتناع صامتة، لا يسمعها احد، لا تملك نخاعا شوكيا. فأولئك الذين لم ينتخبوا ربما ما كانوا يرغبون في الخروج من البيت، ربما كان الطقس ماطراً، ربما هم لا مبالون، ربما ذهبوا الى البحر. أما ذاك الذي صوّت بورقة بيضاء، فقد ارتدى ملابسه وخرج من منزله وذهب الى مكتب الاقتراع وأسقط تلك اللا الناصعة في الصندوق. أي
أنه معني فعلا بما يجري *
** أجرته جمانة حداد
* جوزيه ساراماغو